ابو هويدي المدير العام
العراق : https://i.servimg.com/u/f84/14/04/99/05/123.gif عدد المساهمات : 944 نقاط : 2947 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 16/09/2011 العمر : 48 الموقع : العراق
| موضوع: الديكتاتوريات الحديثة السبت نوفمبر 12, 2011 3:10 am | |
| الديكتاتوريات الحديثة
الدكتاتورية لفظ تعود جذوره إلى اللاتينية، يقصد به النظام السياسي، الذي بمقتضاه يستولي فرد أو جماعة على السلطة المطلقة دون اشتراط موافقة الشعب. ويرجع تاريخ استعمال هذا اللفظ إلى الإمبراطورية الرومانية التي كانت تعيّن (دكتاتوراً) إبان الأزمات التي تمر بها لمنح سلطات مطلقة له لمدة سبع سنوات، ويترك بعدها منصبه لتعود الحياة النيابية إلى سيرتها الأولى. وحديثاً ظهر مصطلح دكتاتورية البروليتاريا، حيث أطلق على المرحلة الانتقالية التي تمر بها الدولة من النظام الرأسمالي إلى النظام الشيوعي، فمن ثم تعتبر مرحلة انتقالية لابد منها لاعداد المجتمع لتقبل النظام الشيوعي، ولكنها لا تعتبر غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الغاية الأصيلة، وهي تكوين مجتمع شيوعي كامل يختفي فيه النظام الطبقي، إذ خلال هذه الفترة الانتقالية يعاد النظر في التنظيم الاقتصادي والسياسي للدولة في ضوء المبادئ الماركسية، وتدرب الطبقة العاملة التي قامت على أكتـــــافهـــا الثورة، وهي طبقة (البروليتاريا) على شؤون الحكم، وهو حكم يتسم بالدكتاتورية ولكنها دكتاتورية الأغلبية ضد الأقلية البرجوازية، وهذا النمط من دكتاتورية البروليتاريا حصل في أوائل ومنتصف القرن العشرين لدى ما عرف بـ(دول المعسكر الشرقي (الاشتراكي) ) بقيادة الاتحاد السوفيتي (السابق)، وعلى أساس النظرية الماركسية - اللينينية، وثورة روسيا البلشفية عام 1917 بقيادة الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين. (وهذا النوع من الحكومات يمارس أبشع أنواع الديكتاتورية بكل صراحة حيث تسمّيه (ديكتاتورية البروليتاريا) وقد كذبت الحكومات الشيوعية حين زيفت التاريخ بزعمها: أن المجتمعات في التاريخ مرت بمراحل (الشيوعية الأولى) ثم (الرق) ثم (الإقطاع) ثم (رأس المال) والآن أخذت ترجع إلى (الشيوعية)، وذلك لكي تجعل لنفسها سنداً تاريخياً، وتبرر وجودها بأنها من طبيعة الإنسان. ولم تقتنع بذلك، بل جعلت كل شيء من الاجتماع والسياسة والدين والعلم والفن.. وغيرها وليدة (الاقتصاد) الذي زعمت أنه أساس الحكومات والتحولات. والكل يعلم أنه لا سند تاريخي لكل هذه الأساليب، فمن أين أن الإنسان في أول أمره كان شيوعياً، ثم صار كذا وكذا وكذا؟! والذي يراجع أدلتهم يجدها في غاية الوهن والبدائية) . يصنف الباحثون الديكتاتورية أو الحكم الديكتاتوري إلى نموذجين، فهناك الديكتاتورية المتولدة عن عوامل اجتماعية، وهناك النموذج الثاني أي الدكتاتورية المتولدة عن عوامل تقنية، وبتعبير آخر يمكن القول بان النموذج الأول يتولد عن أزمات يتعرض لها البنيان الاجتماعي العقائدي، أي انه نموذج يعكس الوضع الاجتماعي، لأن الجذور والأصول العميقة للتركيب الاجتماعي هي التي انجبته، وبجملة واحدة انه نموذج يتولد عن تفاعل قوى وطاقات داخلية وذاتية، بينما يكون النموذج الثاني دخيلاً، فهو نموذج متولد عن عوامل خارجية في المجتمع، أو أنها من داخل المجتمع، ولكنها معزولة عن تفاعله، حيث يأخذ نموها وتطورها صفات خاصة مستقلة وخارجية، وهكذا فانه بدلاً من أن يلبي هذا النموذج الثاني حاجات المجتمع الذي سيخضع لأحكامه، وبدلاً من أن يلبي حاجات وآمال مجموعة كبيرة من أفراد المجتمع، فانه يعبر عن أغراض معينة لمنظمات واجهزة خاصة، وعن آمال ورغبات العناصر المؤلفة لهذه المنظمات، هي عناصر قليلة العدد ولا تتمتع أبدا بحق التمثيل الدستوري.
عــوامل نشـأة الدكتــاتوريــة
تنشأ الديكتاتوريات عن طريق ما يمكن تسميته بـ(عقد الحرمان) والواقع أن اغلب الطغاة عاشوا طفولة معذبة، ومراهقة صعبة، الأمر الذي من شأنه أن يمهد السبيل لخضوع شخصية الطاغية إلى مجموعة من العقد، والديكتاتوريات تظهر وتتشكل خلال حالات وشروط تاريخية معينة، إنها غالباً ما تكشر عن أنيابها خلال فترات تعرض البنيان الاجتماعي لأزمات مصحوبة بأزمات في المعتقدات. النظام الديكتاتوري يظهر تحت ضغط شروط وأوضاع مختلفة، إنه يظهر خلال فترة تكون مشروعية الحكم فيها ازمة، أي عندما يكف الرأي العام عن الإيمان بنظام واحد يمثل فكرة مشروعية السلطة، ويأخذ بالانقسام على نفسه والاعتقاد بتعدد الأنظمة التي تبرر مشروعية السلطة. ولا شك في أن آثار الاضطرابات الاجتماعية تكون اكثر شمولاً وعمقاً إن كانت قد صاحبتها أزمات حول مبدأ المشروعية، لدرجة أن هذه الاضطرابات تجعل أزمات مبدأ المشروعية غير محتملة، وكمثال يمكن اعتبار ما حدث في ايطاليا عام 1920 والمانيا عام 1930 نموذجاً لذلك.
مساوئ الديكتاتورية
تمثل بذرة الاستبداد ومصادرة حرية الإنسان بداية الطريق الذي أدى إلى الانحطاط الحضاري، وينعدم الابداع الحضاري في ظل الاستبداد لأسباب كثيرة منها:
1) إن الاستبداد يقدم للمجتمع مُثلاً، إما محدودة أو مكررة، وهذه المثل غير قادرة على مد المجتمع بالطاقة الكافية لبدء مسيرة البناء الحضاري ومواصلتها، فلابد من أن يرتكس المجتمع في براثن التخلف الحضاري. 2) إن الاستبداد يحول بين الإنسان والإبداع على مختلف المستويات، لأن الحرية من شروط الإبداع، فالمفكرون لا يشعرون بالأمان، ولا يستطيعون أن يعملوا في بلدان فقدت فيها الحرية، فالطغيان والإرهاب يجعلان كل بحث عقيماً، ويطفئان هذه الشرارة التي هي الفكر المبدع. 3) إن الاستبداد يؤدي إلى تمزيق المجتمع، لان من طبيعة النظام المستبد أو الفرعوني - بالمصطلح القرآني - أن يقسّم الناس إلى طبقات وفئات بحسب قربهم أو بعدهم من النظام، وبحسب موقفهم منه، وهو ما يعد جزءاً من آلية السيطرة على المجتمع والتحكم فيه. 4) إن الاستبداد يحمل أبناء المجتمع الرافضين له على التفكير بأساليب عنيفة في مواجهته، وهذا يفتح الباب أمام العنف والعمل المسلح لحل المشكلة السياسية المتمثلة بوجود السلطة الارهابية التي كان لها السبق في استخدام العنف في التعامل مع الناس، ومجتمع يعيش دوامة العنف والتوتر الداخلي لا يمكنه أن يسلك الطريق المؤدي إلى النهوض الحضاري.
موقف الإسلام من الدكتاتورية
لقد ترسخ مفهوم الحرية لدى المسلمين الأوائل، وهو مفهوم مرادف لمفهوم العبودية المطلقة لله، ذلك أن معنى أن تكون عبداً لله، هو أن تكون حراً إزاء غيره، سواء كان هذا الغير حاكماً أم غير حاكم، لقد رسخ الإسلام في أذهان المسلمين فكرة أن الناس يولدون احراراً، وان هذه الحرية صفة طبيعية في الإنسان، إنها صفة تكوينية وليست منحة مكتسبة بفعل قانون وضعي أو حتى تشريع ديني، إنها حرية مساوقة للخلق، قال الإمام علي(عليه السلام) : (أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم احرار) وقال: (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا). وإلى ذلك يشدد الإمام الشيرازي على القول بأنه (ليس للحاكم حق الديكتاتورية إطلاقاً، وكل حاكم يستبد يعزل عن منصبه في نظر الإسلام تلقائياً، لأن من شروط الحاكم العدالة، والاستبداد (الذي معناه التصرّف خارج النطاق الإسلامي، أو خارج نطاق رضى الأمة بتصرف الحاكم في شؤونها الشخصية) ظلم مسقط له عن العدالة) .
سبل معالجة الدكتاتورية
إن أسباب انتشار هذا الوباء على صعيد المعمورة في وقتنا الحاضر تختلف اختلافاً جذرياً عن أسباب انتشاره في القرن السابع قبل الميلاد، فقد كانت الخطوط الكبرى للأنظمة الديكتاتورية كثيرة التشابه، وكانت ظروف ظهورها عادية وغير متنافرة أو متناقضة، وعلى العكس من ذلك الديكتاتوريات الحديثة التي ظهرت على شكل نماذج مختلفة، واتصل نشوؤها بظروف وأوضاع غير متشابهة بل كلها تنافر وتضاد، فهناك فروق كبيرة بين الأنظمة الديكتاتورية الفاشية، والأنظمة الديكتاتورية الشيوعية، وبين هذه الأنظمة وتلك وما انتشر من أنظمة دكتاتورية في أمريكا اللاتينية، وجميع هذه الأنظمة تختلف عن ديكتاتورية كمال أتاتورك(. إن وراء انتشار وباء الديكتاتورية على صعيد المعمورة (أمراض) محلية متشابهة ولكنها ظهرت في امكنة متعددة واختلفت نسب تأثيرها، وليس من الغريب أن تنتقل عدوى الديكتاتورية من مكان إلى آخر، فقد حاول موسوليني تقليد لينين، واتبع هتلر خطوات موسوليني، وحاول أتاتورك تقليد كل من لينين وموسوليني، أما بيرون فقلد الديكتاتوريات الأوربية وهكذا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية نجد هناك عاملاً جوهرياً واحداً كان الأساس في ظهور كل هذه الأنظمة الديكتاتورية، هو تطور مختلف أشكال ونماذج البنيان أو التركيب الاقتصادي - الاجتماعي للعالم، على أن هناك علاجات معنوية من شأنها المساهمة في مقاومة انتشار وباء الدكتاتورية، واكثر هذه العلاجات تأثيراً وفعالية يكمن في تنمية الشعور بالواجب والشرف والاخلاص، فالسلطات الحاكمة تدخل بأساليب اكراهية أو قسرية فكرة طاعة الحكومة، وإن كانت طاعة عمياء، والا فان عدم الطاعة يعني الخيانة، وغالباً ما يضطر هؤلاء الضباط إلى حلف اليمين باطاعة الحكومة تحت غطاء احترام الدستور، وهكذا فان الطاعة تكتسب طابعاً اقرب إلى شخصية الضابط، واقرب إلى المعنى المقدس لمسلكيته ولكن طبيعة الأخلاق العسكرية لا تقف عند حدود اضرام نار الاخلاص للسلطات الحاكمة، فهناك واجب الدفاع عن الوطن والمحافظة على القيم الوطنية والتراث القومي والاستعداد للتضحية حتى الموت في سبيل سلامة وطنه وأمته بمعزل عن الانقياد اللامسؤول والطاعة العمياء للسلطة اللا مشروعة، التي هي الأخرى يجب أن تدرك أن الخضوع الاعمى المطلوب لها ليس بالامر السهل، فالعسكريون بشر، واحرار، يهتمون بالشؤون الإنسانية وكذلك السياسية، شأنهم في ذلك شأن بقية المواطنين في المجتمعات البشرية، حيث تكون المساهمة في الحياة السياسية مفتوحة وعلنية. حكومات الطغيان الرجعي تتركز مهمتها كما هو معروف على حفظ سلطة الزعماء وأصحاب النسب والحسب والاقطاعيين، على انه لا يمكن لهذه الديكتاتورية الرجعية أن تدوم إلا إذا لم تتعرض البلاد إلى حركة انمائية عامة.
تتطلب عملية مكافحة الاستبداد، تبلور ارادة النهوض لدى جماهير الامة، وهذه الارادة تتكون من عناصر ثلاثة رئيسية هي:
أولاً: الوعي بقضية التخلف وأبعادها المختلفة. ثانياً: الوعي بضرورة القضاء على التخلف.
ثالثاً: الوعي بالأساليب والادوات اللازمة والضرورية للقضاء على التخلف والنهوض الحضاري بمعناه الشامل.
| |
|