ابو هويدي المدير العام
العراق : https://i.servimg.com/u/f84/14/04/99/05/123.gif عدد المساهمات : 944 نقاط : 2947 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 16/09/2011 العمر : 48 الموقع : العراق
| موضوع: ماري حب بابل وخيانة حمورابي الجمعة أكتوبر 14, 2011 11:24 pm | |
| ماري حب بابل وخيانة حمورابي !!
قامت حضارة ماري في عام 2900 ق.م , و هي من الحضارات السوريّة التي قامت في أقصى شرق سوريا بالقرب من مدينة البوكمال الحدودية.
وتبعد ماري عن نهر الفرات مسافة 2500 م تقريبا" . وكان لماري أهمية عظيمة كنقطة وصل بين حضارات الرافدين و حضارات سوريا الطبيعيّة و البحر الأبيض المتوسط , وكمركز تجاري لحضارات البحر المتوسط و إيران و الهند .
كان المخطط الأصلي لمدينة ماري على شكل دائرة كاملة تخترقها قناة متفرعة عن الفرات تؤمّن جرَّ المياه إلى المدينة و تسهّل وصول السفن إلى المرفأ . حيث نلاحظ أنه تم بناء السور , ثم شيّدت الأبنية داخله , وكان التوسع العمراني يتجه من المركز إلى السور , مع ملاحظة أنّ السور يحيط بكافة جهات المدينة عدا الجهة التي على الفرات . ويزيد قطر المدينة على 19 كم .
- الحياة الاجتماعية و الاقتصادية في ماري :
إن العمل الرئيسي لسكان ماري في الماضي الزراعة والرعي . وكان على أطراف المدينة وادي و مرتفعات , وكانت حواف الوادي و المرتفعات مخصصة لرعاية المواشي , وكانت تتحرك قطعان الغنم الكبيرة متوغلة داخل السهول الممتدة عندما تكون المراعي فيها كافية وهذا لم يكن متيسرا" إلا بعد أمطار الربيع .
أشار الباحث الصوري بشار خليف إلى وجود جمعيات ونقابات , فكانت هناك غرفة تجارة ماري و اسمها " كاروم " من جذر " كار " ويعني مهنة . كما كان هناك فرق موسيقية , إلى جانب ذلك قدمت وثائق ماري معلومات عن وجود جمعيات للفقراء و المساكين كان يطلق عليها اسم " الموشكينوم " بمعنى المساكين .
وفي مجال الحرف الصناعية أظهرت وثائق ماري وجود 11 نوعا" من الزيوت و مستودعات للثلج . كما كان هناك في ماري 10 أنواع من العطور , ويشير المؤرخ الفرنسي جان بوتيرو أنه في ورشات ماري كان يصنع 600 لتر من العطور شهريا" . كما دلّت الوثائق على وجود 26 نوعا" من الحلي و المجوهرات , و 31 نوعا" من أواني الشرب و 21 نوعاً من الألبسة , كما استخدمت الستائر والبطانيات و أغطية الأسرّة .
ماري بابل وخيانة حمورابي
- أهم المكتشفات الأثرية في ماري :
بدأت الحفريات الأثرية في ماري منذ عام 1933 م بإشراف العالم الفرنسي أندريه بارو A. parrot. إن أهم المكتشفات الأثرية التي اكتشفت تباعا" على مرّ السنين الماضية هي ما يلي :
ماري بابل وخيانة حمورابي
1- القصر الملكي :
ماري بابل وخيانة حمورابي
هو إنشاء كبير مساحته تصل إلى 2,5 هكتار , ويتكون هذا القصر من 300 غرفة و فناء , وفيه كان يدفن الحكام و موظفوهم . كما وُجد فيه أفنية عبادة و غرف عمل الكَتَبَة و الحرفيين . وبُنيت جميع الأبنية من الآجر ويرتفع في مركز المدينة برج , و عثر على غرف دراسية أيضا" .
يخبرنا البروفيسور بارو عن انطباعاته فيقول : (( إن تجهيزات المطابخ و الحمامات جاهزة للاستخدام الآن , مرّت أربعة آلاف سنة على موت المدينة و هي لا تحتاج الآن إلى إصلاحات )). و هذا مثال ساطع على نوعية عمل فناني العمارة القدماء.
ماري بابل وخيانة حمورابي
2- الرُقُم المسمارية :
لقد كُتبت هذه الرُقُم في حضارة ماري باللغة الأكّادية ( اللهجة البابلية القديمة ), مما أعطى لغة قريبة الشبه بالفينيقيّة و تعود هذه الرُقُم إلى النصف الأول من القرن 18 ق.م . و منذ أول مرحلة من مراحل التنقيب اكتشف علماء الآثار 1600 رُقُم عليها نصوص مسمارية , وصل عددها لاحقا" إلى 23600 , واحتاج الأمر إلى قافلات من الشاحنات لنقلها جميعا" دون إحداث أضرار.
تتحدث هذه الرُقُم عن حياة و نشاط القصر و أحياء العاصمة السكنية . بعضها يتضمن القواعد الليتورقية و أخرى أوامر الملك لموظفيه و ثالثة نتائج التشييد الجاري للأقنية , ولوائح تتضمن أسماء ألفي حرفي , و أوامر المراقبين و إرشادات المعماريين و الحسابات التجارية .
ماري بابل وخيانة حمورابي
3- كنز ملك ماري ( كانو) :
هو عبارة عن جرّة من النقود الذهبية بينها حجر لازوردي مثمن كُتب عليه
بالمسمارية ( من ميذا ينبادا ملك أور إلى صديقه كانو اد انود ملك ماري ). و آثار صدفية و عاجية و ما نُقِل من آثارها يزين متحفي حلب و دمشق و متحف اللوفر في باريس .
4- تمثال عشتار :
تمّ العثور على تمثال عشتار ( آلهة الخير) . وكانت مقاساته تقارب المقاسات البشرية إذ بلغ طوله 1,42 متر , وكان منحوتا" من الجير الأبيض . تكتب ( أ. دروجينا ) قائلة : (( إن الآلهة عشتار تحمل بين يديها مزهرية مائلة إلى الأمام قليلا" , كانت نتيجة آلة حاذقة مغروسة في التمثال , تذرف ماء" يتم التحكم به بواسطة صنبور . فستان ملتصق بالجسم و أقدام عارية و على السواعد العارية أسوار . أمّا العنق فمزين بستة أطواق من اللؤلؤ . و الرأس مزين بقرن. تظهر الآلهة مبتسمة . ومن المحتمل أنها كانت مطلية بطلاء زاهٍ و نعتقد أنّ مغزى ذلك إثارة الجاذبية )) . صفات شخصية عشتار متعددة و متناقضة ظاهريا" . فهي أحيانا" ( أي عشتار) تدعى آلهة الشجاعة في المعارك , كما أنّها تدعى آلهة الحب , وفي مواقع أخرى هي الأم للخصب .
كان الشعراء يتحسسون دوما" بوجه عشتار المشع . فإذا كان كلفها الموجع بالإله ( دموزي) قد ترك آثاره في الشعر الغنائي السومري, و إذا كان جلجامش في ملحمته رمى بوجهها قصص مجازفاته الخطيرة فلأنها ملكة المعارك و موزعة الحب و الحامية الملكية و الآلهة الكوكبية التي تغنى بها الكتّاب الأكّاديون .
5- الأسد البرونزي الكبير :
وهو تمثال يعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد . وقيمته في أنه أصبح شاهدا" على أنّ البرونز كان معروفا" في بلاد ما بين النهرين و سوريا الطبيعيّة منذ عام 4000 ق.م, أي قبل 2500 عام من استخدامه في وسط أوربا . إلى جانب ذلك يعتبر هذا مثالا" مدهشا" لاستخدام البرونز في الفن التعبيري القديم .
6- تمثال ايشتوب ايلوم :
يعتبر تمثال عشتوب علوم , ملك ماري , المصنوع من الحجر الأسود ( 2000 ق.م) هاما" جدا" . وتشير عضلات اليد اليسرى العادية الكبيرة لهذا التمثال إلى قوة و متانة الجسم الرجولي . أمّا ملابس التمثال الطويلة فتصل حتى الأرض . وامتدت الحواجب فوق عينين عريضتين مفتوحتين, والشفاه مزموقة بقسوة , و تعبير الوجه جاف وسلطوي و اللحية جعداء ,و كأني بهذا الفنان القديم قد عبّر عن ملامح إنسان محدد , لكنه في نفس الوقت نظر إلى العالم نظرة طبيعية , وهذا ما كان يميز فنون الشرق القديم .
قطع أثرية أخرى:
كاللوحات الجدارية و التي حافظت على طلائها حتى الآن و أيضا" الأواني المزينة المصنوعة من الطين المشوي و قطع الصدف و الذهب و الكرادين ( العقود ) والأساور المصنوعة من الأحجار النفيسة و المطبوعات و الأواني الطينية الكثيرة التي يصل ارتفاع بعضها حتى 1,5 متر.
- ملوك ماري :
تَذكر الرُقُم المسمارية أنّ أسرة أمورية توصلت إلى الحكم في ماري في بدايات الألف الثاني قبل الميلاد , و أول ملك معروف يدعى (يجيد ليم ) نحو 1830 ق.م الذي دخل في صراع مع حاكم أموري آخر هو ( الاكبكابو ) والد ( شمشي أدد ) , الذي كان يحكم في ترقا Terqa ( حاليا" تل عشارة) الواقعة إلى الشمال من ماري , و طرده من هناك .
استلم بعد ( يجيد ليم) ابنه ( يخدون ليم) نحو 1810 ق.م . وصلت ماري إلى ازدهار عال في عهد الملك ( يخدون ليم ) – يخبرنا في إحدى كتاباته على الألواح الطينية أنه انتصر على سبعة بلاد و حصّن شاطئ نهر الفرات و شيّد الأقنية و دعم أسوار مدينتي ( ماري و تيرك ) و بنى مدينة جديدة سمّاها ( دور- ياخدونيم ) و تعني (( قلعة ياخدونيم )) .
امتد نفوذ ( يخدون ليم ) حتى مدينة ايمار Emar ( مسكنة حاليا" ) . و انتهى حكم ( يخدون ليم ) بمؤامرة في القصر الملكي قُتِل الملك خلالها من قبل خدمه . ويبدو أنّ ( شمشي أدد بن الاكبكابو ) الذي كان قد توصل إلى الاستيلاء على الحكم في آشور , و لم ينس نزاع أسرته مع أسرة (يخدون ليم ) , كان وراء هذه المؤامرة , فقد احتل ماري بعدها و نصّب ابنه ( يسماخ أدد ) حاكما" عليها . هرب ( زيمرليم ) ابن (يخدون ليم ) إلى حلب و أقام هناك طوال فترة الحكم الآشوري لماري ( نحو 20 عاما" ).
بعد موت (شمشي أدد) عام 1782 ق.م انهارت إمبراطوريته التي بناها , و عاد (زيمر ليم) إلى ماري بمساعدة ( ياريم ليم الأول ) ملك يمحاض .
استلم (زيمرليم) مملكة ماري عام ( 1782- 1759)ق.م , وقد عقد زيمرليم و حمو رابي ( ملك بابل ) حلفا" للوقوف معا" ضد الأعداء المشتركين . و هذان اللذان جمعهما الاتحاد , أصبحا يحددان سياسة كثير من شعوب الشرق الأدنى و الأوسط القديم و يتحكمان بمصائرهما . اهتم( زيمرليم) على الصعيد الداخلي بشؤون رعيته و بذل عناية لتحسين شبكات الري و توسيعها و ذلك لزيادة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة . كان كذلك مولعا" بالبناء , بالإضافة إلى بناء معابد للآلهة في مدينته بنى أو أكمل بناء القصر المملوكي الذي كان يعدّ من عجائب الدنيا في ذلك العصر . حتى أنّ حاكم أوغاريت طلب , عن طريق (حمو رابي) , من زيمرليم السماح له برؤيته.
وهنا يجب التنويه إلى أنّ هناك ملوك آخرون ( مثل لاقهي ماري ، ادي-ناروم , عشتوب – ايلوم , زيميرليك ) كانوا أقل شهرة من الملوك الذين ذكروا سابقا" بشيء من التفصيل . وهذا يعود لانجازات كل ملك في ماري سواء" على الصعيد الداخلي للمملكة أو خارجها . كما يعود إلى ما ورد في الرُقُم المسمارية من ذكر لملوك ماري .
- نهاية مملكة ماري :
أشار د. بشار خليف إلى أنّ موت ملك آشور ( شمشي أدد ) فسح المجال للفاعلية العمورية في بابل عبر حمو رابي من أن تتبلور , و تضم إليها آشور ثم بلاد بعل يموت في سوريا ومن ثم القضاء على مملكة ماري في العام 1760ق.م بعد نحو 1140 سنة من الحضارة الروحية و المادية .
لقد قام حمورابي بعد انتصار على أعدائه - باتحاده مع زيمرليم ملك ماري - بالغدر و خيانة (زيمرليم) و قام بمهاجمة دولة ماري حيث دمّر المدينة و أحرقها بالكامل . وأخذ ما تبقى من سكانها أسرى و من ضمنهم الملك ( زيمرليم) . و أمر حمورابي بإعدامه على الرغم من الصلة الكبيرة التي كانت تربط بينهم .
هكذا انطوى ذكر حضارة عامرة على نهر الفرات و صارت مدينة ماري مطمورة تحت الرمال حتى تم اكتشافها بالصدفة عام 1933 م على أيدي بعض البدو من أبناء منطقة الفرات , الذين كانوا يدفنون أحد موتاهم و بالصدفة وجدوا إنسان حجري على شكل تمثال يرتدي تنورة طويلة مزين بهدب ثمين منسدل إلى الأسفل . و كان هذا التمثال الحجري هو البداية لاكتشافات أخرى , تعرفنا من خلالها على مملكة ماري التي وصل مداها حتى شواطئ المتوسط .
| |
|